top of page

"جعلتني مشاركتي في برنامج الجوهرة لمس أهمية المبادرة والقدرة على السير نحو الهدف، وبذل جهد لتحقيقه، وعزّزت لديّ القدرات التحليلية واتخاذ القرارات، وذلك من خلال تعرّضي للعديد من المحفّزات والتجارب التي دفعتني لتحليل السلبيات والإيجابيات للقضية لاتخاذ القرار المناسب بشأنها. كذلك، فقد فتحت أمامي آفاقًا جديدة وتعلّمت أساليب مختلفة للقيام بالمهام المتعدّدة، الأمر الذي أكسبني خبرة ثرية لا تقدّر بثمن، تعلّمت بأنه ليس عليَّ القيام بإنجازات عظيمة، بل يمكنني البدء بخطوات بسيطة تساعدني مع مرور الوقت على تطوير الفكرة وتفتح أمامي آفاقًا جديدة لم تكن تخطر على بالي سابقًا".

بصمة مبادر

إيمان برهوم (نائبة مديرة مركز تطوير طواقم التربية والتعليم)

هذا ما قالته شهرزاد عبيدات معلّمة في مدرسة ”زهرة المدائن الابتدائية للبنات“، وهي أول مبادرة (المقصود بالمبادر: المعلّم الذي يمتلك رؤيا لإنتاج منتج تربوي يعزّز عملية التعلّم والتعليم) من شرق القدس عملت على تطوير منتج تربوي من بنات أفكارها. تم إرشادها حتى بلورت فكرة المنتج بشكل شبه نهائي، وقريبًا جدًّا سيكون في متناول أيدي العاملين في مجال التربية والتعليم.

افتتحت قبل ثلاث سنوات دفيئة "الجوهرة" لتطوير منتجات تربوية بالتعاون والشراكة بين مركزي تطوير طواقم التربية والتعليم في شرق القدس ومعاليه أدوميم. تُمكّن هذه الدفيئة المعلّمين من تحقيق حلمهم التربوي على أرض الواقع، من خلال ابتكار منتج تربوي بشكل نهائي، ليتم استخدامه من قبل العاملين في مجال التربية والتعليم. معلّمتان جديدتان انضمتا هذا العام للدفيئة في شرقي القدس.

يُعرّف مصطلح منتج في الاقتصاد بوصفه سلعة أو خدمة لها قيمة مادية، تكون هذه السلعة أو الخدمة بشكل عام قد مرّت بعمليات معالجة بشرية وسيرورات إنتاج متعلّقة بالمعرفة وظروف الإنتاج الثقافية والتربوية للمنتج. وفي مجال التسويق، يُعرّف المنتج على أنه كل ما يمكن تقديمه للسوق بحيث يلبي احتياجاته في مجالات الإنتاج والصناعة (Stark, 2015).

أما ابتكار منتج، فيُعرّف على أنه عملية تكرارية وسيرورة تبدأ من لحظة وضع فكرة لإنتاج منتج ما، وتنتهي عندما يتم تطوير وتصنيع هذا المنتج على أرض الواقع. يتم في هذه السيرورة تكرار الخطوات في كل مرة من أجل تحسين تصميم المنتج (Koberg and Bagnell, 1991) تمر هذه السيرورة في خمسة مراحل:

المرحلة الأولى – دراسة السوق وخصائصه

في هذه المرحلة، يتم فحص خصائص السوق، واتجاهه، وتحديد جمهور الهدف، وفحص المنتجات المنافسة المتوفرة، ومدى إمكانية منافستها مع فحص إيجابيات وسلبيات المنتج الجديد، وتحديد التقنيات التكنولوجية المتاحة للتطوير. بالإضافة إلى ذلك، يتم في هذه المرحلة تحديد خصائص المنتج، متطلبات الإنتاج والتشغيل ومواصفات تصميمه.

المرحلة الثانية- تطوير الفكرة

يتم التعمّق وفحص الإمكانيات لتطوير المنتج، يكون هنالك خيارات عدة ولكل منها إيجابيات وسلبيات، بحيث يُفحص كل خيار على حدة، ويتم بالتالي اختيار واحد منها يكون هو الأكثر ملائمة للمنتج.

المرحلة الثالثة- تخطيط التفاصيل

يتم فحص فكرة المنتج الجديد، وتطرح عدة أسئلة: هل يخدم احتياجات المستهلكين المحتملين بأقصى حد؟ كيف سيتفوّق هذا المنتج على المنتوجات المنافسة؟ كيف يمكن تحقيق ذلك؟

يمكن الإجابة على هذه الأسئلة عن طريق تشكيل مجموعة بؤرية، والحصول على آراء المستخدمين الذين يمكنهم تحديد الاتجاهات المستقبلية في السوق أيضًا. بالإضافة إلى استشارة أصحاب تخصّصات مختلفة ذوي خبرة، مثل مختصّين في التصميم والتصنيع والتسويق وطرح منتج جديد في السوق.

المرحلة الرابعة وهي مرحلة بناء نموذج عن المنتج

تكمن أهمية مرحلة تطوير المنتج في بناء نموذج عن المنتج بهدف توضيح فكرته واختباره من جميع جوانبه: التشغيل، وتركيب الأجزاء، وفحص فيما إذا كان تصميمه مريحًا. ثم يتم إجراء التغييرات اللازمة للحصول على المنتج النهائي.

المرحلة الخامسة – مرحلة الإنتاج

يتم إنتاج المنتج بشكل نهائي وطرحه في السوق أمام المستهلكين للاستفادة منه.

تشبه هذه المراحل بمحطات يمر بها المبادر للفكرة من خلال دفيئة "الجوهرة".

عند قبول انضمام المبادر إلى الدفيئة، يمر في عدة محطات: يتم في المحطة الأولى بلورة الفكرة الأولية التي اقترحها المبادر ومنحه آليات واستراتيجيات بحث لتحديد وبلورة الفكرة بشكل دقيق، مثل: فحص ما هي القيمة المضافة للفكرة؟ ما الجديد والمتميز فيها؟ هل هناك منتج شبيه له بالسوق على الصعيد المحلّي أو العالمي؟ كيف يمكن أن يخدم هذا المنتج أكبر شريحة ممكنة من طواقم التربية والتعليم وطلابهم؟ بعد هذه المرحلة، ينطلق المبادر لاستقصاء الفكرة على أرض الواقع مع جمهور الهدف، بمعنى أن يبدأ مقابلة واستشارة جمهور الهدف حول فكرته، ويحصل منهم على تغذية راجعة تساعده على فحص نقاط القوة وملاحظات لتحسين المنتج المُقترح، بحيث يتم كل هذا بمرافقة فريق مختص من تربوييّن مهنيّين. يمر المعلّم بهذه السيرورات عدة مرات حتى يستنفذ جميع الأفكار والاقتراحات للتحسين، يُفضّل ويُنصح دائمًا باستشارة أكبر عدد ممكن من الفئة المستهدفة وبشكل متنوّع، مثل: استشارة مرشدين تربويّين، ومعلّمين في الحقل، وطلاب، ومفتشين، ومديرين وغيرهم.

بعد هذه المرحلة ينتقل المبادر لمقابلة الخبراء في مجالات مختلفة تساعده على رؤية المنتج من عدة جوانب مختلفة (نظرة شمولية)، مثل: التسويق وشكل المنتج النهائي.

يحصل المعلّم المبادر أثناء هذه السيرورة على خبرة وتعلّم عن كثب على عالم المبادرات. أضف إلى ذلك استحقاقه 60 ساعة استكمال، وتجسيد فكرته التربوية في عالم الواقع.

المنتج التربوي الذي تبتكره المعلّمة شهرزاد عبيدات هو: "كراسة قصص من واقع الطلاب لمعالجة مشاكل اجتماعية مختلفة باستخدام أداة 'حاول' - نموذج سلوكي معرفي".

يهدف هذا المنتج إلى تمكين الطالب من قدرته على ضبط المشاعر السلبية عند ذروتها وعدم استخدامها تجاه الآخرين. يدمج المنتج بين التحليل المنطقي لفهم الحدث وتفسير الأسباب الكامنة وراءه، من خلال الوعي لطرق طرح تفسيرات بديلة للحدث، مما يفسح المجال أمام توليد مشاعر بديلة ومختلفة تجاه نفس الحدث، ثم يتمّ تقديم ردّ فعل صحيح.

يتفاعل الطالب من خلال هذا النموذج مع أدوات حيويّة ممتعة وبأساليب النشاط الجماعي، ليكتسب مهارات تواصل اجتماعيّة فعّالة تفيده في تشكيل شخصيّته، وتعينه على تعزيز وتطوير مكانه في المجتمع.

تكمن أهمية هذه الأداة على صعيدين: على صعيد المعلّم، تكسبه استراتيجية تعامل مع طلاب مدرسته من ناحية سلوكية معرفية. أما على صعيد الطلاب، فإنها تعزّز من قدرتهم على حلّ مشاكلهم بصورة واعية، وتعزّز طريقة تفكيرهم بشكل غير تقليدي، إذ إنها تتيح الفرصة لفهم كيف وأين يمكن أن يغيّر الطالب من تصوّره لحدث معين، وبالتالي عند تغيير طريقة تفكيره تتغير النتيجة تلقائيًا وتفضي إلى نتائج مختلفة. كذلك، فإنها تكسب الطالب مهارات تواصل اجتماعية وطرق تفكير أوسع.

bottom of page