top of page

القيادة الذاتية تصنع فارقًا في ثقافة التقييم المدرسي

أفنان داوود (مرشدة التطوّر المهني)

حديثًا، وبعد مرور البورتفوليو بمراحل مختلفة من التطوّر والبناء، أصبحت أداة مركزية لعمل المعلّم والطالب، وأداة تقييم بديلة لكلاهما على حد سواء. إنها تعبّر عن التفكير التأملي وتوضح مواطن القوة والضعف، ليس على صعيد المعرفة فحسب، بل أيضًا على صعيد الإلمام بمهارات القرن الـ 21 للتقدّم في التعلّم والتعليم، وتعتبر من أهم أدوات التقييم والتعليم في النظام التعليمي في الكثير من الدول المتطورة ومنها إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية (Cochran-Smith and Fries, 2002). استنادًا إلى الباحثين كوتشران-سميث وفرايز، تعتبر هذه الأداة مقياسًا دقيقًا لمدى نجاعة الأهداف التربوية التعليمية التي تم اختيارها وتطبيقها خلال السيرورة التعليمية في النظام التعليمي الراهن، ليس من الناحية المعرفية فقط، بل من النواحي الحياتية والاجتماعية أيضًا. ولكن السؤال الذي يدور بأذهاننا دائمًا بخصوص هذه الأداة، كما أوضحه الباحثان زشنر وراي، هو كيف لهذه الأداة أن تقيس المعايير المطلوبة لنجاح العملية التعليمية من جهة، وكيف لها أن تكون وسيلة للتطوير المهني للمعلّم خلال السيرورة التعليمية بطرق ناجحة وفعالة باختلاف أنواعها وأهدافها من جهة أخرى (Zeichner and Wray, 2001).

كمركز تطوير طواقم التربية والتعليم، نرى أنَّ كل مؤسّسة تعليمية قادرة على بناء البورتفوليو الخاص بها، وتطويره بالشكل الذي يخدم احتياجاتها وأهدافها مهما اختلفت معايير نجاحها والفئة المستخدمة له. ومن خلال مرافقتنا ومساعدتنا، لمسنا مردودًا إيجابيًا فعّالًا على الثقافة المدرسية المتبنّية لهذه الأداة، نظرًا لأهميتها في تطوير السيرورة التعليمية، بغية بلوغ الحداثة التربوية الخاصة بالمعرفة والمهارات التطبيقية لجميع أطراف النظام التعليمي في المدرسة. ومن هنا، نقدّم مثالًا حيًّا لمراحل تطوّر ونجاح البورتفوليو وتميزه في إحدى مدارس شرق القدس، وذلك من خلال عرض تجارب المعلمات التي تبيّن مدى نجاح استخدام هذه الأداة. صاحب استخدام هذه الأداة، في المراحل الأولية، تساؤلات وتخبطات عميقة من جميع الفئات الفاعلة في تلك المؤسّسة التعليمية. ولكن بعد السيرورة التي مرت بها تلك المدرسة، وتغلّبها على الصعوبات والتخبطات التي واجهتها خلال استخدام تلك الأداة، انتهت بتميّز وإدراك مدى أهميتها، وأصبحت بالتالي وسيلة تطوير وتقييم وتعليم، ليس للمعلّم فقط، بل وللطالب أيضًا على حد سواء.

تروي مديرة المدرسة قصة البورتفوليو وتقول:

يعتبر البورتفوليو، أو ملف الإنجاز، مصطلحًا جديدًا على مسامع معلّماتي وطالباتي في مدرسة الثوري الإعدادية للبنات. لنستمع إلى انطباعات بعض المعلّمات في أعقاب خوضهن هذه التجربة على مدار السنوات القليلة الماضية:

لطفًا عزيزي المحاضر، أعذرني على المقاطعة! أنت لم توافيني بأمر جديد! فأنا معلّمة كغيري من المعلّمات كادحة منذ بداية العام، أسعى نحو التميز بأفكاري وأشغالي المتجدّدة، دائمة البحث ... أتمتّع بفضول إيجابي، قارئة .. مصغية ... ملهمة لطالباتي. كمكبس الزيتون، أسعى لاستخراج زيت منهن يكاد يضئ وإن لم تمسسه نار ... فلم هذه الأعباء التي لا تزيد المعلّم إلا ضغطًا وتعبًا؟

هكذا كانت ردة فعلي عندما تم التكليف الرسمي لنا كطاقم معلّمات بأهمية بناء البورتفوليو .

أصوات خفتت وتعالت ... وشهقات وزفرات وتململ ... لم هذا؟ ولم ذاك؟

وهكذا كانت بداية البدايات.

ظننت أنَّ عملي سيبدأ ببدء تأسيس البوتفوليو الخاص بي.

هذا التكليف الشاق، مرّ المذاق، ولكن لا بد منه، مكره أنا هنا لا بطل، فأبدأ بجمع أفكاري فيه، أرتبها، أزينها، أرعاها، أتابعها، وأعتمدها شيئًا فشيئًا لتنمو بين بساتين أفكاري، فتحمل زهرًا ثم ثمرًا ... لأجني في نهاية عامي حصادًا وفيرًا، وإذ بي أكتشف عند ذلك الحصاد أني أحصده كل عام، وإن كان الكم، وربما النوع كذلك، يتفاوت من عام إلى عام، ولكن هذا العمل لم يكن ضمن إطار، دون توثيق ومراعاة.

وهنا كانت نقطة الاختلاف فقط. إنه التوثيق والتأطير لعملي كمعلّمة نشيطة من خلال ملف الانجازات الخاص بي (البورتفوليو). نور سطع في مدرستنا، وبدأ نوره يتوهّج ليشعّ على طواقم جديدة في مدارس مختلفة.

أما عن همسة الطالبات فهي كالتالي:

لم تعد الحياة كما كانت في السابق ... لم يعد احتساب العلامات كما كان ... لم يعد البصم ورصّ المعلومات وخزنها هي الطريقة الأمثل للحصول على أعلى العلامات ... أصبح لملف الإنجاز دور في رصد مستوى الطالب في المدرسة. طريقة رأت بها معلّماتي فرصة جديدة يمكن تجربتها ... لم لا! فنحن نخسر المحاولات التي لا نقدم عليها 100% ... إذًا لا بد من السير نحو ما سيكون ... نحو التغيير ... تغيير العقول ... تغيير طرق التعلّم والتعليم ... وبالتالي طرق رصد العلامات ... هنا أصبحت أنا كطالبة شريكة في عملية التعلّم والتقييم ... نهج جديد لم أعتد عليه ... كيف لي أن أشارك في التقييم ... تقييم جدّي يؤتي ثماره لنتقدم كطلبة ... فنحن دائمًا ما نكون بأمس الحاجة لأناس ينتقدوننا ... فالنقد البناء الذاتي ومن الآخرين هو سر التقدم ... ساعدتنا المعلّمات في توجيهنا لطريقة النقد اعتمادًا على نموذج معدّ لهدف التقييم ... نموذج أشعرني بضرورة المشاركة البناءة، فأنا أنقد زميلاتي، وسأستقبل عند دوري انتقاداتهن ... نمت داخلي روح المسؤولية مع ضرورة الاجتهاد للوصول للأفضل ... فهدف ملف الإنجاز لم يعد أداة لجمع أوراق العمل والاختبارات فقط، بل هو مسرح لتقديم مواهبي وقدراتي المتميزة أيضًا ... فيه تعلّمت الفن والتنظيم وابتكار ألعاب تربوية خصّص لها قسم خاص في هذا الملف ... ألعاب تعتمد خلال الحصص، فأشارك زميلاتي اللعب والتعلّم وبناء شخصية معتدّة بذاتها واثقة من نفسها.

بعد عامي الثالث هذا في اعتماد ملف التقييم كأداة ممتعة من أدوات تقييمي، لا أستطيع إلاَّ أن أعبّر عن شعوري بالراحة لمشاركتي في التقييم الذاتي ... وإعطائي الفرصة لإظهار إبداعاتي ... وبناء شخصيتي المميزة الواثقة من ذاتها ... الممتلكة مفاتيح النقد البنّاء ... المساعدة في تقدّم مجتمعي الذي سيقاس وفق الوضع الاجتماعي للمرأة، لي أنا ولبقية الزميلات ... كل هذا بالإضافة لجاهزيتي العالية للمرحلة القادمة ... مرحلة الثانوية ... وما بعدها.

bottom of page