top of page

نموذج التشبيك والمشاركة في التطوّر المهني بين مدارس الحي

أ. شيرين جبالي (مفتشة التعليم الابتدائي في وزارة المعارف)

د. اياد دكيدك (مرشد التطوّر المهني)

جاء عند ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ما مفاده أنَّ الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، أي إنه خُلق ليعيش وليتعامل مع الجماعة، وهو غير منفصل كفرد عن باقي أعضاء دائرته المجتمعية. فاللقاء الحاصل في البيئة الواحدة يفضي إلى تفاعلات اجتماعية ناتجة عن سلوكيات إنسانية مكوِّنة لنظم متشابكة من الصعب فصل الواحدة عن الأخرى كأنساق أفعال (غدنر، 2005: 47).

من هنا، فإذا نظرنا إلى المدرسة بوصفها مؤسّسة هيكلية تربوية فاعلة داخل مجتمعها المحلّي، غير منفصلة عن باقي المؤسّسات والمراكز في المجتمع، سنجدها دائرة مجتمعية مصغّرة، وهي بدورها حلقة ضمن حلقات عديدة موجودة في إطار دائرة مجتمعية كبيرة لذات الأفراد، ولن يكون باستطاعتنا أن نعي احتياجات هؤلاء الأفراد دون نظرة كاملة متكاملة لتفاعلاتهم المجتمعية، أي احتياجات طلاب المدرسة والعاملين فيها على حد سواء. على سبيل المثال، إذا توجّهنا إلى شريحة الطلاب، علينا وضع الحالة العاطفية الاجتماعية (الدائرة المجتمعية) للطالب أمام أعيننا كمعلّمين، ونسعى إلى فهم أنساق أفعاله كطالب. ومن دون ذلك، ستفشل مساعينا للتعامل معه ضمن دائرته الصفية والمدرسية فقط. فعندما نفترض أنَّ الهدف الرئيس من تطوير الأداء الوظيفي للمعلّم هو تحسين وتطوير الأداء الوظيفي -بكامل محاوره- للطالب، حينها يتوجّب علينا إعادة إنتاج منظومة التطوّر المهني للعاملين في التعليم ضمن سيرورة إعادة إنتاج تربوي شمولي لآليات العمل داخل دوائرنا المجتمعية. وضمن هذا السياق، ارتأيت، وبالتعاون مع مركز تطوير طواقم العاملين في التعليم، أن نبدأ بإعادة إنتاجنا التربوي للتطوّر المهني للمعلّم من المدارس الابتدائية في منطقة صور باهر وأم طوبا، على أمل توسيع دائرة العمل لتصل إلى مناطق أخرى.

يعتبر تطوير المهارات القيادية عند المعلّمين في مجال إدارة التطوّر المهني، على الصعيد الشخصي والمؤسّساتي، من الأهداف الهامة التي تطمح المنظومات التربوية للوصول إليها بشكل مستمر (Poekert, 2012) لأهميتها الكبيرة في تذويت التطوّر المهني عند المعلّمين، وخلق ثقافة التطوّر المهني المستند إلى ثقافة التشارك والتشبيك، الذي يعمل على خلق التغيير في ممارسات المعلّم التعليمية وما يرافقها من تنفيذ ذلك في الحقل التربوي (Guskey, 2010).

من هذا المنطلق، وبما أنَّ القدرات والخبرات التي يمتلكها المعلّم العامل في الحقل تشكّل موردًا مهمًّا في خلق التغيير على مستوى المدرسة التي يعمل بها، أو المدارس الأخرى المحيطة به، والتي تتشارك معًا بعدد من المتغيرات من جهة، وتختلف عن بعضها في متغيرات أخرى، فقد قام المركز التربوي للعاملين في حقل التعليم في شرق القدس هذا العام بعقد استكمالات بنظام جديد أطلق عليه "الاستكمالات الحيّية". اعتمدت هذه الاستكمالات في المدارس الابتدائية الأربعة الموجودة في الحيّين صور باهر وأم طوبا التابعين للمفتشة أ. شرين جبالي – مفتشة وزارة المعارف. تتشارك هذه المدارس الأربعة في العديد من الموارد والاحتياجات من جهة، ولكنها تختلف في الخصوصيات والمخرجات التي تسعى كل مدرسة للوصول إليها. بنيت شبكة الاستكمالات المدرسية على مستوى الحي، ويعمل على تمريرها والإشراف عليها البروفيسور خالد عرار، وهو باحث مختص بالقيادية والريادة التربوية. يعتمد برنامج التطوير المهني في المدارس الابتدائية في حيّي صور باهر وأم طوبا على نموذج تدخّل شامل طوّره سارسون، وطُبق في الولايات المتحدة وكندا ومحافظات في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة، وقام بتطويره لاحقًا الباحث ستيفين غروس من جامعة هرفارد، يسعى النموذج إلى التغيير التربوي على مستوى الحي، ويعتمد على ثلاثة مراحل أساسية:

1. تطوير خاصية مدرسية تعتمد على الخطة والاحتياجات المدرسية الخاصة؛

2. تشبيك بين القيادة التربوية العليا والوسطى، من خلال إدارة جماعية لكافة مدارس الحي في مواضيع مختارة؛

3. تعميق التشبيك والقيادة الجماعية.

يمتد هذا البرنامج على فترة زمنية تمتد بين ثلاثة إلى خمسة أعوام. بدأنا في هذا العام ببناء خاصية مدرسية وتعميق أدائها، من ثم يتم تقاسم التجربة المدرسية مع باقي مدارس الحي. يتم كل ذلك بالتعاون مع قوى التطوّر المهني الداخلية الموجودة في تلك المدارس، بحيث يتم التشبيك بين الاستكمالات المدرسية التي تحدث في كل مدرسة في مواضيع التطوّر المهني المشتركة بينها من جهة، والعمل أيضًا على خلق وتقوية قوى إدارة استكمالات على مستوى الحي التي تشكّل بؤرة للتطوّر المهني في ذلك الحي حاليًا.

من الجدير ذكره أنَّ هذا النموذج يتم متابعته من ناحية التطور المهني، وتذويت المهارات التي يكتسبها المعلّمين في صفوفهم، وتطوير مهارات قيادة تطوّر مهني لدى المعلّمين بشكل تربوي علمي، وذلك من أجل المتابعة والتقييم والعمل على تنفيذه لاحقًا في أحياء أخرى في شرق القدس مستقبلًا.

شهدنا العالم أجمع في الآونة الأخيرة جائحة الكورونا وحجزت الناس في بيوتهم. وبالرغم من ذلك، فقد جنّدنا جميع الطرق والوسائل الإلكترونية المحوسبة من أجل استمرار عملية التطوّر المهني بهدف الوصول إلى النتائج المخطّط لها في بناء هذا النموذج، والوصول بالمعلّمين إلى مركز قيادة تطوّر مهني على مستوى الحي ويشكّل عنصرًا مهمًّا في التشبيك مع المدارس المحيطة. لذلك، فقد استمرت لقاءات التطوّر المهني في الحي عبر استخدام جميع وسائل اللقاءات الافتراضية، بشكل تزامني وغير تزامني، التي تتم عن بُعد وبشكل تفاعلي يضمن مشاركة المعلّم واستمرارًا لجعله مركز عملية التطوّر المهني.

bottom of page